تخطو قدمى للمرة الأولى هذه الأرض الواسعة التى تحمل نصفين نصف مغترب و آخر لساحة مناديل دامعة ..فى المطار رأيت أعينهم فخشيت على عينى من زحف العدوى أريده أن يذكر إبتسامة و نظرة عاشقة و أنا أدخل بين ذراعيه لمرة أخيرة قبل الطيران.. انتظرت بالخارج لبعض الوقت حتى ينتهى من وزن الحقائب و يهاتفنى ..حقائب السفر تتحرك متباينة الأشكال و الألوان فاستوقفتنى "ربما تتحرك بها بعض أرواحهم " و البعض يحمل صناديق من الكرتون لا أعرف لما تخيلت من قبل أن المسافرين مجموعة من البزات الأنيقة تحمل دوماً حقائب للمتعلقات الشخصية من "لاب توب " و خلافه و يتساقط منهم رائحة عطر لمنظار شمسى تتخفى فيه ملامحهم و لكن هؤلاء -من أراهم الآن - تحمل أعينهم أخاديد لا تختفى و على جباههم بعض القمح الذابل و أحرف كلمات " لقمة العيش مرة " .. الكراتين ، حقائب الظهر و أيضاً بعض الأكياس البلاستيكية تحمل أرجل للرحيل و ربما بعضها لا يحمل زجاجة مياه لعطش الوطن ...و .... جميلة هى سلبت نظرتى من ألوان الحقائب و ترجمة الأعين ، صغيرة ذات ملابس مزركشة شعرها يصنع تموجات بنية فاتنة ، هم حولها
" ترى من منهم يحمل لها قبلات الوداع ؟ " ..أعادنى الهاتف من متابعة قفزاتها الصغيرة كى يأذن لى بانطلاق رهبة الرحيل و أنه قد عبر الخط الأحمر بينى و بين الأرض الأخرى ..ثم ذهبت
ـــــــــــ فى البيت ..أدخلت بعض الملابس الواقفة بجانبي لحقيبة أخرى أكبر و لكنها تحتل مساحة الحائط .." كم أكره هذه الكتلة الخشبية و لا أدرى كيف تحول صندوق الملابس لهذا الدولاب الضخم و كيف تعامل الغابرون مع ثيابهم بنظرية " ألم هدومى ف قفة "..تذكرت الحقائب فأجفلت و أفقت لأتأمل ضلفتيه المغلقتين - لطالما تأذيت من فتحهما الدائم كفم يمتلئ بطعامه - لكن الآن أحسست بوحشة من أناقة مفتعلة لفم مغلق و ..كم أفتقد صرير الباب عندما يأتى ، جوربه الملقى أرضاً ، منظاره التائه ، و رائحة عطر تختلط بروحه .. فى النوم تزاحم الغطاء ليلفظنى و مددت يدى لأرفع الغطاء إليه فسقطت بجانبى لتوقظ منى نصف عين و اغمض النصف الباقى داخل سترة كان يرتديها و لن أقوم بغسلها ..
ـــــــــــــ
#إيناس_البنا